فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشنقيطي:

{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)}
الكوثر فوعل من الكثرة، وأعطيناك قرئ: أعطيناك، بإبدال العين نونًا، وليست النون مبدلة عن العين، كإبدال الألف من الواو أو العين في الأجوف ونحوه، ولكن كلًا منهما أصل بذاته، وقراءة مستقلة.
قاله أبو حيان.
وتختلف في الكوثر.
فقيل: علم.
وقيل: وصف.
وعلى العلمية قالوا: إنه علم على نهر في الجنة، وعلى الوصف قالوا: الخير الكثير.
ومما استدل به على العلمية، ما جاء في السنة من الأحاديث الصحاح، ذكرها ابن كثير وغيره.
وفي صحيح البخاري عن أنس قال: لما عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال: «أتيت نهر حافتاه قباب اللؤلؤ مجوف. فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر».
وبسنده أيضًا عن عائشة رضي الله عنها «سئلت عن قوله تعالى: {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الكوثر} [الكوثر: 1]، قالت: هو نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم، شاطئاه عليهما در مجوف، آنيته كعدد النجوم».
وبسنده أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الكوثر: هو الخير الذي أعطاه الله إياه.
قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: فإن الناس يزعمون أنه نهر في الجنة، فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير، الذي أعطاه الله إياه.
وذكر ابن كثير هذه الأحاديث وغيرها عن أحمد رحمه الله: ومنها بسند أحمد إلى أنس بن مالك قال: «أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة، فرفع رأسه مبتسمًا إما قال لهم، وإما قالوا له: لم ضحكت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه نزلت على أنفًا سورة. فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، {إنا أعطيناك الكوثر}، حتى ختمها، فقال: هل تدرون ما الكوثر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم؟ قال: نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة، عليه خير كثير، ترد عليه أميت يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب يختلج العبد منهم، فأقول: يا رب إنه من أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك».
وذكر ابن كثير ما جاء في صفة الحوض، وهذه النصوص على أن الكوثر نهر في الجنة، أعطاه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث الأخير عن الإمام أحمد قوله: «عليه خير كثير» يشعر بأن معنى الوصفية موجود.
ولذا قال بعض المفسرين: إنه الخير الكثير.
وممن قال ذلك ابن عباس، كما تقدم في حديث البخاري عنه.
واستدلوا على المعنى، بقول الشاعر الكميت:
وأنت كثير يا ابن مروان طيب ** وكان أبوك ابن الفصائل

والذي تطمئن إليه النفس أن الكوثر: هو الخير الكثير، وأن الحوض أو النهر من جملة ذلك.
وقد أتت آيات تدل على إعطاء الله لرسوله الخير الكثير، كما جاء في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ المثاني والقرآن العظيم} [الحجر: 87] الآية.
وفي القريب سورة الضحى وفيها: {ولسوف يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى} [الضحى: 5]، أعقبها بنعم جليلة من شرح الصدور، ووضع الوزر، ورفع الذكر، واليسر بعد العسر.
وبعدها في سورة التين جعل بلده الأمين، وأعطى المؤمنين الذين يعملون الصالحات أجرًا غير ممنون.
وبعدها سورة اقرأ. امتن عليه القرآن، وعلمه ما لم يكن يعلم.
وبعدها سورة القدر: أعطاه ليلة خيرًا من ألف شهر.
وبعدها سورة البينة: جعل أمته خير البرية، ومنحهم رضاه عنهم، وأرضاهم عنه.
وبعدها سورة الزلزلة: حفظ لهم أعمالهم، فلم يضيع عليهم مثقال الذرة من الخير.
وفي سورة العاديات: أكبر عمل الجهاد، فأقسم بالعاديات في سبيل الله، والنصر على الأعداء.
وفي سورة التكاثر: تربيتهم على نعمه ليشكروا، فيزيدهم من فضله.
وفي سورة العصر: جعل أمته خير أمة أخرجت للناس، تؤمن بالله وتعمل الصالحات وتتواصى بالحق وتدعو إليه، وتتواصى بالصبر، وتصبر عليه.
وبعدها في سورة قريش: أكرم الله قومه، فآمنهم وأعطاهم رحلتيهم.
وفي السورة التي قبلها مباشرة، وهي سورة الماعون: يمكن عمل مقارنة تامة أولًا.
وفي الجملة، لئن كان المنافقون يمنعون الماعون، فقد أعطيناك الخير الكثير، ثانيًا.
وعلى التفصيل ففي الأولى، وصف المنافقين والمكذبين بدع اليتيم، وفي الضحى قد بين له حق اليتيم {فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تقهر} [الضحى: 9]، فكان هو خير موكل، وخير كافل، ووصفهم هنا بأنهم لا يحضون على طعام المسكين.
وقد أوضح له في الضحى، {وَأَمَّا السائل فَلاَ تنهر} [الضحى: 10]، فكان يؤثر السائل على نفسه، وهؤلاء ساهون عن صلاتهم يراءون بأعمالهم.
وفي هذه السورة {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} [الكوثر: 2]، أداء الصلاة وخالصة لربه، وإطعام المسكين بنحر الهدى والضحية والصدقة، وكل ذلك خير كثير، يضاف إلى ما جاءت به السنة، كما في حديث: «أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وأعطيت الشفاعة، وكحلّت لي الغنائم، ولم تكن تحل لأحد قبلي. وكان النَّبي يبعث لقومه خاصة، فبعث للناس كافة، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل». وقوله: «رفع لي عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه».
وفي قوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الذين مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ واعف عَنَّا واغفر لَنَا وارحمنآ أَنتَ مَوْلاَنَا فانصرنا عَلَى القوم الكافرين} [البقرة: 286].
قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى قال: قد فعلت، قد فعلت». وقوله تعالى: {وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [الإسراء: 79]، وهو المقام الذي يغبطه عليه الأولون والآخرون.
إلى غير ذلك من النصوص، بما يؤكد قول ابن عباس، عند البخاري: إن الكوثر: الخير الكثير.
وأن النهر في الجنة من هذا الكوثر الذي أعطيه صلى الله عليه وسلم.
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)}
في هذا مع ما قبله ربط بين النعم وشكرها، وبين العبادات وموجبها، فكما أعطاه الكوثر فليصل لربه سبحانه ولينحر له، كما تقدم في سورة لإيلاف قريش، في قوله تعالى: {فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هذا البيت الذي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش: 3-4].
وهناك {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الكوثر} [الكوثر: 1]، وهو أكثر من رحلتيهم وأمنهم، {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} مقابل {فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هذا البيت} [قريش: 3].
وقيل: إنه لما كان في السورة قبلها بيان حال المنافقين في السهو عن الصلاة والرياء في العمل، جاء هنا بالقدوة الحسنة {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} مخلصًا له في عبادتك، كما تقدم في السورة قبلها {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أحدا} [الكهف: 110].
وقوله تعالى في تعليم الأمة، في خطاب شخصه صلى الله عليه وسلم {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65]، مع عصمته صلى الله عليه وسلم من أقل من ذلك، والصلاة عامة والفريضة أخصها.
وقيل: صلاة العيد، والنحر: قيل فيه أقوال عديدة:
أولها: في نهر الهدى أو نحر الضحية: وهي مرتبطة بقول من حمل الصلاة على صلاة العيد، وأن النحر بعد الصلاة كما في حديث البراء بن عازب «لما ضحى قبل أن يلي، وسمع النَّبي صلى الله عليه وسلم يحث على الضحية بعد الصلاة، فقال: إني علمت اليوم يوم لحم فعجلت بضحيتي، فقال له: شاتك شاة لحم؟» فقال: إن عندنا لعناقًا أحب إلينا من شاة، أتجزئ عني؟ قال: «اذبحها، ولن تجزئ عن أحد غيرك».
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه مبحث الضحية وافيًا عند قوله تعالى: {فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ البآئس الفقير} [الحج: 28]، وقد ذكروافي معاني: وانحر: أي ضع يدك اليمنى على اليسرى على نحرك في الصلاة، وهذا مروي عن علي رضي لله عنه.
وأقوال أخرى ليس عليها نص.
والنحر: هو طعن الإبل في اللبة عند المنحر ملتقى الرقبة، بالصدر.
وأصح الأقوال في الصلاة.
وفي النحر هو ما تقدم من عموم الصلاة وعموم النحر أو الذبح لما جاء في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ العالمين} [الأنعام: 162].
واتفق الفقهاء أن النحر للإبل، والذبح للغنم، والبقر متردد فيه بين النحر والذبح، وأجمعوا على أن ذلك هو الأفضل، ولو عمم النحر في الجميع، أو عمم الذبح في الجميع لكان جائزًا، ولكنه خلاف السنة.
وقالوا: إن الحكمة في تخصيص الإبل بالنحر، وهو طول العنق، إذ لو ذبحت لكان مجرى الدم من القلب إلى محل الذبح بعيدًا فلا يساعد على إخراج جميع الدم بيسر، بخلاف النحر في المنحر، فإنه يقرب المسافة ويساعد القلب على دفع الدم كله، أما الغنم فالذبح مناسب لها، والعلم عند الله تعالى.
{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)}
قال البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنهما: شانؤك: عدوكاه.
والأبتر: هو الأقطع الذي لا عقب له.
وأنشد أبو حيان، قول الشاعر:
لئيم بدت في أنفه خنزوانة ** علىلا قطع ذي القربى أجذ أباتر

وقال: شانئك: مبغضك.
وفي هذه الآية يخبر سبحانه وتعالى: أن مبغض رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأقطع.
فقيل: نزلت في العاصي بن وائل.
قال لقريش: دعوة، فإنه أبتر لا عقب له، إذا مات استرحم، فأنزلها الله تعالى ردًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء مصداقها بالفعل في قوله تعالى: في غزوة بدر في قوله تعالى: {وَيُرِيدُ الله أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافرين} [الأنفال: 7].
فقتل صناديد قريش، وصدق الوعيد فيهم.
ومثله عموم قوله تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ القوم الذين ظَلَمُواْ والحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} [الأنعام: 45].
وجاء: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1].
فهي في معناها أيضًا.
وبقي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقبه من آل بيته، وفي أمته كلها.
كما تقدم في قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذكرك} [الشرح: 4]. اهـ.

.التفسير المأُثور:

قال السيوطي:
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)}
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت سورة {إنا أعطيناك الكوثر} بمكة.
وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير وعائشة مثله.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمرو بن ميمون قال: لما طعن عمر وماج الناس تقدم عبد الرحمن بن عوف فقرأ بأقصر سورتين في القرآن {إنا أعطيناك الكوثر} و{إذا جاء نصر الله والفتح} [النصر: 1].
وأخرج البيهقي عن ابن شبرمة قال: ليس في القرآن سورة أقل من ثلاث آيات.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله تعالى: {إنا أعطيناك الكوثر} قال: نهر في بطنان الجنة حافتاه قباب الدر والياقوت فيه أزواجه وخدمه.
قال: وبأي شيء ذكر ذلك؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل من باب الصفا وخرج من باب المروة، فاستقبله العاص بن واثل السهمي، فرجع العاص إلى قريش، فقالت له قريش: من استقبلك يا أبا عمرو آنفًا؟ قال: ذلك الأبتر، يريد به النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أنزل الله هذه السورة {إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر} يعني عدوّك العاص بن وائل هو الأبتر من الخير لا أذكر في مكان إلا ذكرت معي يا محمد، فمن ذكرني ولم يذكرك ليس له في الجنة نصيب، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم أما سمعت حسان بن ثابت يقول:
وحباه الإِله بالكوثر ** الأكبر فيه النعيم والخيرات

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال: «أغفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة، فرفع رأسه متبسمًا فقال: إنه نزلت على آنفًا سورة فقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر} حتى ختمها، قال: هل تدرون ما الكوثر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: هو نهر أعطانيه ربي في الجنة عليه خير كثير ترده أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب، يختلج العبد منهم فأقول يا رب إنه من أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدث بعدك».
وأخرج مسلم والبيهقي من وجه آخر بلفظ ثم رفع رأسه فقرأ إلى آخر السورة، قال البيهقي والمشهور فيما بين أهل التفاسير والمغازي أن هذه السورة مكية وهذا اللفظ لا يخالفه فيشبه أن يكون أولى.
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية {إنا أعطيناك الكوثر}.
وأخرج أحمد وابن المنذر وابن مردويه عن أنس أنه قرأ هذه الآية {إنا أعطيناك الكوثر} قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت الكوثر فإذا هو نهر في الجنة يجري ولم يشق شقًا، وإذا حافتاه قباب اللؤلؤ فضربت بيدي إلى تربته فإذا هو مسكة ذفرة وإذا حصاه اللؤلؤ».
وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دخلت الجنة فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء، فإذا مسك اذفر. قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله».
وأخرج أحمد والترمذي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن أنس: «أن رجلًا قال يا رسول الله: ما الكوثر؟ قال: نهر في الجنة أعطانيه ربي لهو أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل، فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر. قال عمر: يا رسول الله إنها لناعمة. قال: آكلها أنعم منها يا عمر».
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: «دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قد أعطيت الكوثر، قلت يا رسول الله: ما الكوثر؟ قال: نهر في الجنة عرضه وطوله ما بين المشرق والمغرب لا يشرب منه أحد فيظمأ ولا يتوضأ منه أحد فيتشعث أبدًا، لا يشرب منه من أخفر ذمتي ولا من قتل أهل بيتي».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عطاء بن السائب قال: قال لي محارب بن دثار ما قال سعيد بن جبير في الكوثر؟
قلت: حدثنا عن ابن عباس أنه الخير الكثير. فقال: صدقت والله إنه للخير الكثير، ولكن حدثنا ابن عمر قال: نزلت {إنا أعطيناك الكوثر} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب يجري على الدر والياقوت، تربته أطيب من المسك وماؤه أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل».
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن جرير وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن قوله تعالى: {إنا أعطيناك الكوثر} قالت: هو نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم في بطنان الجنة شاطئاه عليه در مجوّف فيه من الآنية والأباريق عدد النجوم.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {إنا أعطيناك الكوثر} قال: الخير الكثير.
وقال أنس بن مالك: نهر في الجنة، وقالت عائشة: هو نهر في الجنة ليس أحد يدخل أصبعيه في أذنيه إلا سمع خرير ذلك النهر.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوتيت الكوثر آنيته عدد النجوم».
وأخرج ابن مردويه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إنا أعطيناك الكوثر} قال: نهر أعطاه الله محمدًا في الجنة.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب وفضة يجري على الياقوت والدر، وماؤه أبيض من الثلج وأحلى من العسل.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إنا أعطيناك الكوثر} قال: نهر في الجنة عمقه سبعون ألف فرسخ ماؤه أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل، شاطئاه الدر والياقوت والزبرجد خص الله به نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم دون الأنبياء.
وأخرج البخاري وابن جرير والحاكم من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: الكوثر الخير الذي أعطاه الله إياه.
قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: فإن ناسًا يزعمون أنه نهر الجنة قال: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن حذيفة في قوله: {إنا أعطيناك الكوثر} قال: نهر في الجنة أجوف فيه آنية من الذهب والفضة لا يعلمها ألا الله.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أسامة بن زيد: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى حمزة بن عبد المطلب يومًا فلم يجده فسأل امرأته عنه؟ فقالت: خرج آنفًا أو لا تدخل يا رسول الله؟ فدخل فقدمت له حيسًا فأكل فقالت: هنيئًا لك يا رسول الله ومريئًا لقد جئت وأنا أريد أن آتيك فأهنيك وأمريك، أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهرًا في الجنة يدعى الكوثر فقال: أجل وأرضه ياقوت ومرجان وزبرجد ولؤلؤ».
وأخرج ابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: «أن رجلًا قال يا رسول الله: ما الكوثر؟ قال: نهر من أنهار الجنة أعطانيه الله عرضه ما بين إيلة وعدن.
قال: يا رسول الله أله طين أو حال.
قال: نعم المسك الأبيض.
قال: له رضراض حصى؟ قال: نعم رضراضه الجوهر وحصباؤه اللؤلؤ.
قال: أله شجر؟ قال: نعم، حافتاه قضبان ذهب رطبة شارعة عليه.
قال: ألتلك القضبان ثمار؟ قال: نعم تنبت أصناف الياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر، فيه أكواب وآنية وأقداح تسعى إلى من أراد أن يشرب منها منتشرة في وسطه كأنها الكوكب الدري»
.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {إنا أعطيناك الكوثر} قال: نهر في الجنة حافتاه قباب الدر فيه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج هناد وابن جرير عن عائشة رضي الله عنها قالت: من أحب أن يسمع خرير الكوثر فليجعل أصبعيه في أذنيه.
وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن مجاهد رضي الله عنه قال: الكوثر خير الدنيا والآخرة.
وأخرج هناد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن عساكر عن عكرمة رضي الله عنه قال: الكوثر ما أعطاه الله من النبوّة والخير والقرآن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: الكوثر القرآن.
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن علي بن أبي طالب قال: «لما نزلت هذه السورة على النبي صلى الله عليه وسلم {إنا أعطيناك الكوثر} قال: النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل: ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟ قال: إنها ليست بنحيرة، ولكن يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع، فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين هم في السموات السبع، وإن لكل شيء زينة وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: رفع اليدين من الاستكانة التي قال الله: {فما استكانوا لربهم وما يتضرعون} [المؤمنون: 76]»
.
وأخرج ابن جرير عن أبي جعفر في قوله: {فصل لربك} قال: الصلاة {وانحر} قال: يرفع يديه أول ما يكبر في الافتتاح.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فصل لربك وانحر} قال: إن الله أوحى إلى رسوله أن ارفع يديك حذاء نحرك إذا كبرت للصلاة فذاك النحر.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني في الافراد وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله: {فصل لربك وانحر} قال: وضع يده اليمنى على وسط ساعده اليسرى ثم وضعهما على صدره في الصلاة.
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في سننه عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن شاهين في السنة وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما {فصل لربك وانحر} قال: وضع اليمنى على الشمال عند التحرم في الصلاة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء {فصل لربك وانحر} قال: إذا صليت فرفعت رأسك من الركوع فاستو قائمًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الأحوص {فصل لربك وانحر} قال: استقبل القبلة بنحرك.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه {فصل لربك وانحر} قال: صلي لربك الصلاة المكتوبة واسأل.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه {فصل لربك} قال: اشكر لربك.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن جبير قال: كانت هذه الآية يوم الحديبية أتاه جبريل فقال انحر وارجع، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب خطبة الأضحى، ثم ركع ركعتين، ثم انصرف إلى البدن فنحرها، فذلك حين يقول: {فصل لربك وانحر}.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد وعطاء وعكرمة {فصل لربك وانحر} قالوا: صلاة الصبح بجمع ونحر البدن بمنى.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس {وانحر} قال: الصلاة المكتوبة والذبح يوم الأضحى.
وأخرج ابن جريرعن قتادة {فصل لربك وانحر} قال: الأضحى والنحر نحر البدن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء {فصل لربك} قال: صلاة العيد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {وانحر} قال: البدن.
وأخرج ابن جرير عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينحر قبل أن يصلي فأمر أن يصلي ثم ينحر.
وأخرج البيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: {وانحر} قال: يقول فادع يوم النحر.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال: لما أوحى الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت قريش: بتر محمد منا فنزلت {إن شانئك هو الأبتر}.
وأخرج البزار وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش: أنت خير أهل المدينة وسيدهم ألا ترى إلى هذا الصابئ المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السقاية وأهل السدانة؟ قال: أنتم خير منه. فنزلت {إن شانئك هو الأبتر} ونزلت {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب} [النساء: 51] إلى قوله: {فلن تجد له نصيرًا} [النساء: 52].
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن أبي أيوب قال: لما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم مشى المشركون بعضهم إلى بعض فقالوا: إن هذا الصابئ قد بتر الليلة، فأنزل الله: {إنا أعطيناك الكوثر} إلى آخر السورة.
وأخرج ابن سعد وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: كان أكبر ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم القاسم ثم زينب ثم عبد الله ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية، فمات القاسم وهو أول ميت من ولده بمكة، ثما مات عبد الله، فقال العاصي بن وائل السهمي: قد انقطع نسله فهو أبتر، فأنزل الله: {إن شانئك هو الأبتر}.
وأخرج ابن عساكر من طريق ميمون بن مهران عن ابن عباس قال: ولدت خديجة من النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله، ثم أبطأ عليه الولد من بعده، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم رجلًا والعاصي بن وائل ينظر إليه إذ قال له رجل: من هذا؟ قال: هذا الأبتر يعني النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت قريشاذا ولد للرجل ثم أبطأ عليه الولد من بعده قالوا هذا الأبتر، فأنزل الله: {إن شانئك هو الأبتر} أي مبغضك هو الأبتر الذي بتر من كل خير.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن محمد بن علي قال: كان القاسم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغ أن يركب على الدابة ويسير على النجيبة، فلما قبضه الله قال عمرو بن العاصي: لقد أصبح محمد أبتر من ابنه، فأنزل الله: {إنا أعطيناك الكوثر} عوضًا يا محمد عن مصيبتك بالقاسم {فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر} قال البيهقي: هكذا روي بهذا الإِسناد وهو ضعيف والمشهور أنها نزلت في العاصي بن وائل.
وأخرج الزبير بن بكار وابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: توفي القاسم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو آت من جنازته، على العاصي بن وائل وابنه عمرو فقال حين رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأشنئوه فقال العاصي بن وائل: لا جرم لقد أصبح أبتر، فأنزل الله: {إن شانئك هو الأبتر}.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {إن شانئك هو الأبتر} قال: هو العاصي بن وائل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال: كانت قريش تقول إذا مات ذكور الرجل: بتر فلان، فلما مات ولد النبي صلى الله عليه وسلم قال العاصي بن وائل: بتر، والأبتر الفرد.
وأخرج ابن المنذر وابن جرير وعبد الرزاق وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {إن شانئك} يقول: عدوّك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء {إن شانئك} قال: أبو جهل.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن شهر بن عطية عن إبراهيم قال: كان عقبة بن أبي معيط يقول: إنه لا يبقى للنبي صلى الله عليه وسلم ولد وهو أبتر، فأنزل الله فيه {إن شانئك هو الأبتر}. اهـ.